مداخلة عبد الجليل اضطرت العقيد القذافي إلى التدخل في الجلسة التالية لمؤتمر الشعب العام ليرد على كلام وزير العدل المستشار عبد الجليل، ويصرح بأنه هو من عفا عن المحكومين بالإعدام في القضايا التي أشار اليها وزير العدل، وكان واضحاً أن القذافي لم يتقبل انتقادات الوزير عبد الجليل، لذا قرر إعفاءه من منصبه، رغم أن عبد الجليل هو من قدم استقالته، الأمر الذي عُدّ صفعة مباشرة للعقيد، الذي اعتاد هو أن يعفي ويعين المسؤولين، وكان يردد دائماً «الاستقالة مرفوضة في ليبيا»، وفي عرفه هي نوع من الخيانة التي يستحق مرتكبها الإعدام. بلع العقيد في حينه استقالة عبد الجليل لكون الرجل يتسم بالاستقامة ومعروف عنه، حين كان في سدة المسؤولية، انتقاداته للفساد المستشري في الأجهزة. وكان المسؤول الوحيد الذي انتقد علانية في نهاية سنة 2009 «تغول أجهزة الأمن». وعلى العموم فإنه لم يمكث في الحكم اكثر من ثلاث سنوات، حيث تسلم وزارة العدل في سنة 2007 واستقال في 2010، وقبل ذلك كان قد تدرج في سلك القضاء من قاضٍ الى مستشار ثم رئيس محكمة استئناف مدينة البيضاء، مسقط رأسه سنة 1952. وشعر القذافي بحرج كبير لقيام عبد الجليل بتصدر واجهة الانتفاضة سياسياً، والعمل بعد ثلاثة اسابيع من اندلاعها على إنشاء إطار سياسي يقودها تمثل في المجلس الوطني الانتقالي، الذي ضم شخصيات من مختلف الأطياف القبلية والسياسية والمناطقية والكفاءات.
يمثّل وجود عبد الجليل استمرارية ونهاية لحقبة القذافي في الوقت ذاته، كما يمثل توق الليبيين إلى التغيير. وهو يستطيع أن يطمئن جيوب النظام القديم بالقدر الذي يعني للطامحين الى بناء دولة جديدة فرصة لا تعوض من رجل نزيه، بعيد عن الفساد والدم والتورط في النزاعات الداخلية، لكنه يواجه عدة تحديات حقيقية لكي يتجاوز الفترة الانتقالية. أول التحديات هو الضغوط الخارجية من أجل اقتسام الكعكة الليبية بين اطراف الحلف الأطلسي، ومهما أبدى من استقلالية فهو مكبل بجملة من الالتزامات، ويجب عليه تسديد فاتورة الحرب، الأمر الذي سيرهن اقتصاد ليبيا. وفي الجانب السياسي يبدو هامش المناورة أمامه ضيقاً جداً، فالأطراف التي دعمت مشروع إسقاط القذافي ليست بلا مشروع سياسي يضع في حسابه موقع ليبيا وإمكاناتها. وثاني التحديات هو مسألة استعادة الأمن، وهي من شقين، حل الميليشيات التي أُنشئت، وجمع السلاح. وثالث التحديات هو المصالحة الداخلية، ويتوقف ذلك على الإخراج الذي ستسوّى من خلاله الجيوب الموالية للقذافي، وتحسم المعركة ضده على الصعيد الميداني. قبل أن ينخرط عبد الجليل في سلك القضاء كان من لاعبي كرة القدم المعروفين على مستوى ليبيا، وهو هداف مشهور، ورغم الاهداف التي سجلها في الشباك فإن هدفه الذي يظل يحسب له هو الذي سجله ضد القذافي، وبالنظر الى تعقيدات الموقف الليبي فإن المنتظر منه اليوم أن يؤدي دور مايسترو المرحلة الانتقالية، وأن يقود الليبيين كفريق واحد، في عملية بناء دولة ليبيا الجديدة وفق مواصفات العصر، بعدما نفاها العقيد القذافي عن العالم طيلة أربعة عقود.
wetten-bonus.com, 2024