[الكهف:8]، وقد وافقهم على ذلك، وهو ملك صالح مكن الله له في الأرض، والخرج في الآية هو: المال الذي جمعوه لإقامة السد لكي يحول بينهم وبين المفسدين في الأرض، ومعلوم من قواعد الشرع: أن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا قصه الله تعالى علينا ولم يرد في شرعنا ما يعارضه. فلهذه الأدلة وغيرها: صرح جمع من فقهاء الشريعة بأنَّ لولي الأمر أن يفرض ضريبة عادلة؛ تكون بقدر ما يفي بالحاجة ويُحقق المصلحة ولا يضر بالناس، وأنه يجب على الناس الالتزام بدفعها، ويحرم عليم التهرب منها، أو التحايل على إسقاطها بأي وسيلة؛ بل تبقى حقاً في ذممهم يحاسبون عليها عند الله تعالى، وفيما يأتي نورد بعض النقول عن أهل العلم في هذا الخصوص: جاء في حاشية العلامة ابن عابدين الحنفي رحمه الله: (ما يَضْرِبُه السلطانُ على الرعية مصلحةً لهم يصير دَيْنًا واجبًا وحقًّا مُستحقًّا كالخراج، وقال مشايخنا: وكل ما يضربه الإمام عليهم لمصلحة لهم فالجواب هكذا). أي يصير دينا واجبا وحقا مستحقا عليهم لا يجوز التهرب منه ولا التحايل لإسقاطه، سواء كانت الضريبة المفروضة هي: ضريبة القيمة المضافة أو غيرها من أنواع الضرائب الأخرى. كما صرح بجواز ذلك الإمام الشاطبي المالكي في الاعتصام وذكر أنها تفرض على: (الغلات والثمار وغير ذلك... ثم قال: (وإنما لم يُنقل مثل هذا عن الأولين لاتساع مال بيت المال في زمانهم، بخلاف زماننا فإن القضية فيه أحرى، ووجه المصلحة هنا ظاهر).
"لقاء الباب المفتوح" (65/12).
وجاء في حاشية العلامة البناني المالكي على شرح الزرقاني على مختصر خليل ما حاصله: أنَّ يوسف بن تاشفين كان يأخذ من أموال الناس ما يفي بمصاريف الجيش؛ لأن ما في بيت المال لم يعد كافيا؛ فاستشار فقهاء وقضاة المغرب: فأجازوا له ذلك، وكان فيهم الإمام الفقيه أبو الوليد الباجي رحمه الله. ونَقل في "نيل الابتهاج" عن الشيخ المالقي في كتاب الورع قوله: (توظيف الخراج على المسلمين من المصالح المرسلة، ولا شك عندنا في جوازه وظهور مصلحته... وإنما النظر في القدر المحتاج إليه من ذلك، وذلك موكول إلى الإمام). وقد تكلم الإمام الجويني الشافعي في هذا المجال بكلام حسن طويل في كتابه "غياث الأمم" نقتطف منه قوله رحمه الله: (لا بدَّ من توظيف أموالٍ يراها الإمام قائمةً بالمؤن الراتبة، أو مدانية لها، وإذا وظف الإمام على الغلات والثمرات وضروب الزوائد والفوائد من الجهات يسيرا من كثير، سهل احتماله، ووفر به أُهب الإسلام وماله، واستظهر رجاله، وانتظمت قواعد الملك وأحواله). وعليه ففرض الضريبة والعمل في المؤسسات التي تتولى جمعها وترتيبها جائز شرعاً، ولا علاقة لذلك بالمكوس التي ورد تحريمها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة صاحب مكس).
wetten-bonus.com, 2024