وقد كان التعاون على البر والتقوى، والخير والمعروف، من هدي وخلق نبينا صلى الله عليه وسلم الذي دعانا إليه، وأوصانا به، وطبقه عمليّاً مع أهله وأصحابه ومجتمعه، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا).
حديث: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
واعلموا أنه كلما كانت معاني الإيمان حية في النفوس كلما كانت هذه الروابط أقوى، ولذلك فإن أصحاب النبي ﷺ تركوا كل شيء لإخوانهم من المهاجرين، تصوروا لو عرضنا واقعة على مجتمعنا الحاضر، هذا عبدالرحمن بن عوف يأتي من مكة ليس معه إلا إزاره، فيؤاخي النبي ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها [3] ، في مجتمعنا الذي نعيش فيه يعد هذا نوعًا من السذاجة وضعف العقل، فلو جاء أحد يفعل مع إنسان هذه الطريقة للامه أقرب الناس إليه. فهذه الرابطة لم تكن مجاملات ولا جاءت عن فراغ، بل كانت نتيجة لتربية إيمانية عالية. ولما جاء المهاجرون وهم ليسوا من مكة فقط، بل من كل القبائل المحيطة بالمدينة، وكانوا أكثر من الأنصار، ثم فتحت قريظة، فجمع النبي ﷺ، الأنصار، وفي البداية قال لهم النبي ﷺ: إن المهاجرين ليسوا بأهل زرع، وأنتم أهل زرع، فبدلاً من أن تقاسموهم الأرض والثمر ستكون هناك قسمة أخرى، تبقى الأصول لكم، والثمر بينكم، بحيث لا يشتغلون معكم، فتنفردون بالعمل أنتم لأنكم أهل زرع، فكانت القسمة بهذه الطريقة، ثم لما فتحت النضير جمع النبي ﷺ الأنصار وخيرهم بين أمرين قال لهم: إما أن يبقى المهاجرون في أرضكم يقاسمونكم الأموال كما كانوا في السابق، وأقسمها بينكم -أي أرض النضير المليئة بالزروع والعقارات والدور، أو أنهم يخرجون من أرضكم وأقسمها بينهم خاصة، فقالوا: لا يا رسول الله، لا نقبل هذا أبداً [4].