وكشف التحقيق آليات السعودية لاستثارة الحماس الإسرائيلي لضرب إيران و"حزب الله". فقد نقل عن رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي السابق بندر بن سلطان، قوله لرئيس "الموساد" الإسرائيلي السابق تامير باردو، خلال لقاء بينهما في الرياض مطلع العام 2014: "هل أنتم تمثّلون إسرائيل التي خاضت حرب 1967؟ أم إسرائيل التي خاضت حرب لبنان الثانية؟". وهذا ما فُسر على أنه دعوة سعودية لأن تبادر إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران. وأشار التحقيق إلى أن الرياض نقلت خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 رسائل واضحة لإسرائيل مفادها وجوب توجيه ضربات حاسمة ضد "حزب الله"، قائلاً إن خيبة أمل قوية خيّمت على الرياض بسبب أداء إسرائيل في الحرب. وفي السياق نفسه، قال ياكوف إنجل، مستشار الأمن القومي الأسبق لنتنياهو، إن نظام الحكم السعودي كان يرى في إسرائيل الطرف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة إيران، وهو ما سمح بإحداث تحوّل على طابع العلاقة. لكن التحقيق جزم أن اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أسهم في فرملة استراتيجية التطبيع مع إسرائيل التي كان يعكف عليها بن سلمان. وأبدى ياكوف إنجل قلقه لأن اغتيال خاشقجي أضعف كثيراً بن سلمان وجعله عاجزاً عن إخراج العلاقة إلى العلن بسبب تضعضع مكانته الداخلية والعالمية.
وبحسب التحقيق، فقد جمّدت السعودية في نهاية العام 2014 علاقاتها السرية مع إسرائيل بعدما تبيّن لها أن نتنياهو غير معني بإحداث تحوّل على صعيد تعاطيها مع القضية الفلسطينية. وأحدث موقف الملك عبدالله خلافاً داخل الحكومة الإسرائيلية السابقة، فوزير الأمن الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، كان يصر على أن تُقدم إسرائيل على خطوات لحل الصراع مع الفلسطينيين من أجل توفير بيئة تسمح باستمالة السعودية وتدفعها للتعاون مع تل أبيب في مواجهة إيران، وهو ما كان يرفضه نتنياهو خوفاً من ردود فعل شركائه من اليمين في الائتلاف. وقال التحقيق التلفزيوني إنه قد ثبت في النهاية أن نتنياهو كان محقاً ، فالسعودية في عهد بن سلمان، لم تعد تطرح حل القضية الفلسطينية كشرط لتطوير العلاقة الثنائية مع تل أبيب. وأشار إلى أن السعودية لم تكن فقط تحثّ إسرائيل على ضرب إيران و"حزب الله"، بل كانت أيضاً مستعدة لتقديم مساعدات لها لتمكينها من تحقيق الهدف. وقال شابيرو في التحقيق إن إدارة أوباما بادرت إلى جسّ نبض نظام الحكم السعودي لمعرفة ما إذا كان مستعداً للسماح للطائرات الحربية الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية في طريقها لضرب إيران، مشيراً إلى أن واشنطن فوجئت عندما اكتشفت أن السعوديين والإسرائيليين قد بحثوا هذه القضية في وقت مسبق.
البريد الإلكتروني:: الاسم المستعار كلمة السر: أكد كلمة السر: أدخل الرمز الذي في الصورة دخول سياسة الخصوصية ضغطك على زر "تسجيل" يعني موافقتك على معالجة بياناتك الشخصية وقبولك سياسة الخصوصية. جميع الحقول المعلمة بـ (*) من الضروري إملائها
تسلسل العلاقة قد يكون إعلان وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة «تسيبي ليفني»، عن أن المواقف بين إسرائيل والرياض، في عدد من قضايا المنطقة ، تسير وفقًا لرؤية مشتركة بينهما؛ يعني أن التنسيق وصل إلى أبعاد أخرى أكثر من وحدة الموقف من إيران وملفها النووي. على مرة عقود، دعمت السعودية الحق الفلسطيني في السيادة، مُطالبة بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، وغيرها من الأراضي المحتلة عام 1967، إلا أنّه في عام 2002، اقترح العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة السلام العربية ، التي اشترطت إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا، على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل. وزير الخارجية السعودي: عادل الجبير ويُشار إلى أنّه، بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد ، قطعت السعودية علاقاتها معها، وقادت حملة التنديد العربية باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، قبل أن تعود العلاقات بين البلدين، عام 1987. الشاهد في الأمر، عدم وجود أية علاقات دبلوماسية معلنة، أو اتفاقات موقعة بين إسرائيل والسعودية، الأمر الذي يجعل صناع القرار الإسرائيلي ينفون بين لحظة وأخرى، التنسيق بين الجانبين في إطار أي مجال.
وذكر الصحافي الإسرائيلي، أن خروج الوثائق للعلن، يشير إلى وجود قاسم مشترك بين الدول العربية، أو السعودية تحديدًا، وتل أبيب، وذلك بما يتعلق بالتعاون المشترك ضد النفوذ الإيراني، بخاصة مع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. وأضاف نيسان: «أنا غير متفاجئ من هذه الأخبار؛ لأن تأكيد وزير الخارجية السعودي عادل الجبيرـالتزام السعودية بكل الاتفاقات الدولية التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين، ومنها اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين القاهرة وتل أبيب، يعني أن العلاقات بدأت تأخذ طابعًا آخر». ويُشار هنا إلى أن هذه الوثائق، تأتي في ضوء اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بشأن جزيرتي صنافير وتيران، بعدما كانت محل نزاع لعشرات السنين؛ كونها تعد حدودًا فاصلة بين الإمبراطورية العثمانية ومصر،التي كانت تحتلها بريطانيا. فضلًا عن أنها كانت تحت السيادة المصرية منذ خمسينات القرن الماضي، فيما عدا الفترة التي أعقبت حرب ١٩٦٧ مع إسرائيل، ثم استعادتهما مصر، بعد اتفاقية كامب ديفيد، في عام ١٩٨٢. لذلك، فإنه من خلال تغطية الصحف الإسرائيلية ، كان هناك قبولًا إسرائيليًا مبدئيًا تجاه الاتفاقية، بخاصة وأنها لا تستلزم إجراء تعديلات في معاهدة السلام.
وبعد عملية تفجير برجيّ مانهاتن في 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 وجد السعوديون أنفسهم بحاجة إلى التنسيق مع إسرائيل مرة أخرى، حيث تولى السفير السعودي في أميركا آنذاك، الأمير بندر بن سلطان، مهمة التنسيق وربط الأجهزة الأمنية السعودية بالإسرائيلية والأميركية لمواجهة تنظيم "القاعدة" والجماعات المدعومة من إيران في المنطقة الشرقية للبلاد الغنية بالنفط. ووصلت العلاقات السعودية الإسرائيلية بتنسيق من بن سلطان ذروتها عقب التنسيق الأمني للتعامل مع الملف الإيراني مع رئيس الموساد مئير داغان، لكن هذا التنسيق تعرض لهزّة بوصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، بالإضافة إلى ثورات الربيع العربي وإقالة داغان من منصبه في الموساد. وبعد انتهاء الجولة الأولى من ثورات الربيع العربي، وبدء ما سمي بـ"الثورة المضادة" في مصر، والتي انتهت بالانقلاب على نظام الرئيس المعزول، محمد مرسي، تقاطعت الطرق الإسرائيلية – السعودية من جديد بالتنسيق حول تحسين صورة الانقلاب وسط دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. لكن الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، والذي رافقه صعود محمد بن سلمان، نجل العاهل السعودي بتعيينه ولياً للعهد، حتّم تسريع العلاقات بين البلدين بدعوى مواجهة عدو مشترك يتمثل في إيران، حيث التقى اللواء المتقاعد، أنور عشقي، المستشار السابق لرئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، عددا من المسؤولين الإسرائيليين المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعلى رأسهم المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، دور غولد.
ولم تكن لقاءات عشقي الأولى من نوعها. وأسس محمد بن سلمان جماعة ضغط سعودية في أميركا سميت باسم "سابراك" برئاسة أحد الصحافيين المقربين منه، ويدعى سلمان الأنصاري، والذي نشر على الفور مقالة في صحيفة "ذا هيل" الأميركية قال فيها، إن وجود إيران كعدو مشترك يحتّم على إسرائيل والسعودية أن تعجلا بتطبيع العلاقات، وتأسيس رابطة متينة وقوية بينهما، مؤكداً استعداد ولي العهد شخصياً لإقامة علاقات دائمة مع إسرائيل. ولم يكتف اللوبي السعودي في واشنطن بمغازلة إسرائيل والتقرب منها علناً، بل دعا إلى تنظيم ندوات تنسيقية وأمنية بين البلدين، مما يوحي بأن هدف تأسيس جماعة الضغط هذه كان افتتاح قناة تواصل رسمية بين الطرفين في واشنطن، دون التعرض لضغوط شعبية.
وعلى الجانب المقابل، دعم السعوديون قوات القبائل الموالية للملك خفيةً وكان لا بد من الاستعانة بخدمات سلاح الجيش الإسرائيلي المتطور حينها، حيث قام سرب الطيران الدولي الإسرائيلي رقم 120 بقيادة الطيار أرييه عوز بأكثر من 14 رحلة مروراً بالأراضي السعودية وبالتنسيق مع السلطات السعودية التي تولى مهمتها رئيس الاستخبارات آنذاك وصهر الملك فيصل، كمال أدهم. وعاد التنسيق بين البلدين اللذين لا يتمتعان بأي علاقات على المستوى الرسمي آنذاك مرة أخرى بعد انتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، وظهور مصطلح "تصدير الثورة"، والذي كان يهدف من خلاله إلى تهديد أمن الساحل الخليجي العربي. لكن عمليات التنسيق بقيت محدودة في مناطق الصراع في لبنان وفلسطين والعراق، وبمعرفة أميركية آنذاك، حتى الغزو العراقي للكويت، حيث عمل السعوديون على إقناع إسرائيل والاجتماع مع مسؤوليها في نيويورك للالتزام بعدم الرد على ضربات الرئيس الراحل صدام حسين إلى حين تحرير الكويت. تنامت بعدها العلاقات التجارية "الخفيّة" بين رجال الأعمال السعوديين والمقربين من الأسرة الحاكمة وإسرائيل، كما غضّت السعودية الطرف حينها عن بعض المنتجات الإسرائيلية التي دخلت إليها بسبب حاجتها الاقتصادية لها.
كان من اللافت أيضًا تأكيد عدد من الصحف الإسرائيلية اطلاع الحكومة الإسرائيلية على الاتفاقية، قبل إبرامها بين مصر والسعودية بأسبوعين، في إشارة إلى طبيعة العلاقة السرية بين تل أبيب والرياض. المختص في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد لم يفاجأ هو الأخر بما نشره الموقع الأمريكي، قائلًا:«وجود مثل هذه التسريبات، إن كانت صحيحة أصلًا، فإنها تكشف عن الكثير من التناقضات الجارية بين دول المنطقة وإسرائيل، وإن كانت دقيقة فإن جهازًا أمنيًا قويًا على اطلاع كامل بهذه التفاصيل». ووفقًا لشديد، في حديث الخاص مع «ساسة بوست»، فإن الوثائق تكشف عن اختراق منظومة أمنية كبيرة، تعرفها كل من إسرائيل وأمريكا والسعودية ومصر، وبالتالي لا أحد ينكر في الوقت الحالي، أن السعودية لم تعد ترى تل أبيب عدوها الرئيس بل إيران، على حد قوله. وأضاف: «في السياسةالدولية، يمكن أن نرى أسوأ التحالفات لتنسيق أهداف سياسية، وفقًا للمصلحة الشخصية، وهذا ما بدا واضحًا في العلاقات بينهما، بخاصة أن دولة الاحتلال لم تعد اليوم العدو للدول العربية، بل أصبحت لاعبًا رئيسًا في المنطقة، تحدد دور كل دولة من حيث ضعفها وقوتها، بما يتوافق مع مصلحتها أولًا». ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أنه من مصلحة الاحتلال استثمار التناقضات العربية وتوظيفها لخدمته، عبر بناء تحالفات بينه وبين دول المنطقة العربية وفقًا لمصلحته، مردفًا «الزيارات الأخيرة لبعض ضباط المخابرات السعودية إلى دولة الاحتلال، وإجراء العديد من اللقاءات بينهما تكشف عن سر العلاقة بينهما، ووجود الكثير من التناقضات في المواقف السعودية تجاه إسرائيل».
وسلط التحقيق الأضواء على الدور الذي أداه نظام الحكم الأردني في تسهيل مهمة إسرائيل في التواصل مع النظام السعودي. وبحسب التحقيق، فقد نظّم الملك الأردني عبدالله الثاني، لقاء في أحد قصوره في عمان عام 2006 بين رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت إيهود أولمرت وبندر بن سلطان. ولكن على الرغم من أهمية المعلومات التي كشفتها قناة التلفزة الـ13 في تحقيقها، إلا أنها لم تفصّل المظاهر التي تعكس التحوّل الكبير الذي طرأ على العلاقة بين إسرائيل والنظام السعودي بعد صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد؛ فالتحقيق لم يشر مثلاً إلى ما كشفته وسائل إعلام أخرى حول تطور التنسيق بين الاستخبارات السعودية والإسرائيلية في عهد بن سلمان. فقد سبق لموآف فاردي، المعلّق في قناة التلفزة الرسمية "كان"، أن كشف أن نائب مدير المخابرات السعودية أحمد العسيري، يُعتبر شخصية معروفة جداً لقادة الاستخبارات الإسرائيلية، وأنهم كانوا يرون فيه "ذخراً" بكل ما تعني الكلمة. إلى جانب أن التحقيق لم يتطرق لاعتماد نظام بن سلمان على الدعم الإسرائيلي التقني في تعقّب رموز "تيار الصحوة" والشخصيات السعودية التي يرى النظام أنها تتبنى موقفاً لا ينسجم مع توجهاته.
wetten-bonus.com, 2024